سورة العلق - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (العلق)


        


{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)}
{اقْرَأْ} أي ما يوحى إليك من القرآن فالمفعول مقدر بقرينة المقام كما قيل وليس الفعل منزلًا منزلة اللازم ولا أن مفعوله قوله تعالى: {باسم رَبّكَ} على الباء زائدة كما قال أبو عبيدة وزعم أن المعنى {اذكر رَبَّكَ} بل هي أصلية ومعناها الملابسة وهي متعلقة بما عندها أو حذوف وقع حالًا كما روى عن قتادة والمعنى {اقرأ} مبتدئًا أو مفتتحًا {باسم رَبّكَ} أي قل {بِسْمِ اللَّهِ} ثم اقرأ وهو ظاهر في أنه لو افتتح بغير اسمه عز وجل لم يكن ممتثلًا واستدل بذلك على أن البسملة جزء من كل سورة وفيه بحث وكذا الاستدلال به على أنها ليس من القرآن للمقابلة إذ لقائل أن يقول إنها تخصص القرآن المقدر مفعولًا بغيرها وبعضهم استدل على أنها ليست بقرآن في أوائل السور بأنها لم تذكر فيما صح من أخبار بدء الوحي الحاكية لكيفية هذه الآيات كذا أفاده النووي عليه الرحمة ثم قال وجواب المثبتين أنها لم تنزل أولًا بل نزلت في وقت آخر كما نزل باقي السورة كذلك وهذا خلاف ما أخرج الواحدي عن عكرمة والحسن أنهما قالا أول ما نزل من القرآن {بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرحيم} [الفاتحة: 1] وأول سورة {اقرأ} وكذا خلاف ما أخرجه ابن جرير وغيره من طريق الضحاك عن ابن عباس أنه قال أول ما نزل جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم قال يا محمد استعذ ثم قل {بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرحيم} وقد عد القول بأنها أول ما نزل أحد الأقوال في تعيين أول منزل من القرآن وقال الجلال السيوطي أن هذا القول لا يعد عندي قولًا برأسه فإنه من ضرورة نزول السورة نزول البسملة معها فهي أول آية نزلت على الإطلاق وفيه منع ظاهر كما لا يخفى وجوز كون الباء للاستعانة متعلقة بما عندها أو حذوف وقع حالًا ورجحت الملابسة بلاسمتها عن إيها كون اسمه تعالى آلة لغيره وقد تقدم ما يتعلق بذلك أول الكتاب ثم إنه ليس في الأمر المذكور تكليف بما لا يطاق سواء دل الأمر على الفور أم لا لأنه صلى الله عليه وسلم علم أن ما أوحي قرآن فهو المكلف بقراءته عليه الصلاة والسلام ولا محذوف في كون {اقرأ} إلخ مأمورًا بقراءته لصدق المأمور بقراءته عليه وهذا كما تقول لشخص اسمع ما أقول لك فإنه مأمور بسماع هذا اللفظ أيضًا وقد ذكر جمع من الأصوليين أن هذا بيان للمأمور به في قول جبريل عليه السلام {اقرأ} المذكور في حديث بدء الوحي المتفق عليه قال الآمدي عند ذكر أدلة جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب الذي ذهب إليه جماعة من الحنفية وغيرهم ومن الأدلة ما روى أن جبريل عليه السلام قال للنبي صلى الله عليه وسلم {اقرأ} قال وما اقرأ كرر عليه ثلاث مرات ثم قال له {اقرأ باسم رَبّكَ الذى خَلَقَ} فاخر بيان ما أمره به أولًا مع إجماله إلى ما بعد ثلاث مرات من أمر جبريل عليه السلام وسؤال النبي صلى الله عليه وسلم مع إمكان بيانه أولًا وذلك دليل جواز التأخير إلى آخر ما قال سؤالًا وجوابًا لا يتعلق بهما غرضنا ولا يخفى أن كون هذا بيانًا للمراد على الوجه الذي ذكرناه ظاهر وكونه كذلك بجعل {اقرأ باسم رَبّكَ} إلى آخر ما نزل أو {بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الحاكمين اقرأ} إلخ ما ادعاه الجلال معمولًا لاقرأ المكرر في كلام جبريل عليه السلام مما لا أظن أن أصوليًا يقول به ومثله كونه كذلك بحمل الآية على ما سمعت عن أبي عبيدة وأما بناء الاستدلال على ما في بعض الآثار من أن جبريل عليه السلام جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بحراء بنمط من ديباج مكتوب فيه {اقرأ باسم رَبّكَ} إلى{ما لم يعلم} [العلق: 1-5] فقال له اقرأ فقال عليه الصلاة والسلام ما أنا بقارىء قال: {اقرأ باسم رَبّكَ} بأن يكون {اقرأ} إلخ بيانًا وتلاوة من جبريل عليه السلام لما في النمط المنزل لعدم العلم بما فيه وإن كان مشاهدًا منزلة المجمل الغير المعلوم فلا يخفى حاله فتأمل ثم أن في كلام الآمدي من حيث رواية الخبر ما فيه فلا تغفل والتعرض لعنوان الربوبية المنبئة عن التربية والتبليغ إلى الكمال اللائق شيئًا فشيًا مع الإضافة إلى ضميره صلى الله عليه وسلم للإشعار بتبليغه عليه الصلاة والسلام إلى الغاية القاصية من الكمالات البشرية بإنزال الوحي المتواتر ووصف الرب بقوله تعالى: {الذى خَلَقَ} لتذكيره عليه الصلاة والسلام أول النعماء الفائضة عليه صلى الله عليه وسلم منه سبحانه مع ما في ذلك من التنبيه على قدرته تعالى على تعليم القراءة بالطف وجه وقيل لتأكيد عدم إرادة غيره تعالى من الرب فإن العرب كانت تسمى الأصنام أربابًا لكنهم لا ينسبون الخلق إليها والفعل إما منزل منزلة اللازم أي الذي له الخلق أو مقدر مفعوله عامًا أي الذي خلق كل شيء والأول يفيد العموم أيضًا فعلى الوجهين يكون وجه تخصيص الإنسان بالذكر في قوله تعالى:


{خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2)}
{خَلَقَ الإنسان} إنه أشرف المخلوقات وفيه من بدائع الصنع والتدبير ما فيه فهو أدل على وجوب العبادة المقصودة من القراءة مع أن التنزيل إليه ويجوز أن يراد خلق الإنسان إلا أنه لم يذكر أولًا وذكر ثانيًا قصدًا لتفخيمه بالإبهام ثم التفسير وعن الزمخشري أن المناسب أن يراد خلق الإنسان بعد الأمر بقرارة القرآن تنبيهًا على أنه تعالى خلقه للقراءة والدراية كما أن ذكر خلق الإنسان عقيب تعليم القرآن أول سورة الرحمن لنحو ذلك وقوله تعالى: {مِنْ عَلَقٍ} أي دم جامد لبيان كمال قدرته تعالى بإظهار ما بين حالتيه الأولى والآخرة من التباين البين وأتى به دالًا على الجمع لأن الإنسان مراد به الجنس فهو في معنى الجمع فأتى بما خلق منه كذلك ليطابقه مع ما في ذلك من رعاية الفواصل ولعله على ما قيل السر في تخصيص هذا الطور من بين سائر أطوار الفطرة الإنسانية مع كون النطفة والترب أدل على كمال القدرة لكونهما أبعد منه بالنسبة إلى الإنسانية وفي البحر لم يذكر سبحانه مادة الأصل يعني آدم عليه السلام وهو التراب لأن خلقه من ذلك لم يكن متقررًا عند الكفار فذكر مادة الفرع وخلقه منها وترك مادة أصل الخلقة تقريبًا لأفهامهم وهو على ما فيه لا يحسم مادة السؤال وقيل خص هذا الطور تذكيرًا له عليه الصلاة والسلام لما وقع من شرح الصدر قبل النبوة وإخراج العلق منه ليتهيأ تهيئًا تامًا لما يكون له بعد فكأنه قيل الذي خلق الإنسان من جنس ما أخرجه من صدرك الشريف ليهيئك بذل لمثل ما يلقى إليك الآن وبهذا تقوى مناسبة هذه السورة لسورة الشرح قبلها أتم مناسبة لا سيما على تفسير الشرح بالشق فتدبره ومن الناس من زعم أن المراد بالإنسان آدم عليه السلام وأن المعنى خلق آدم من طين يعلق باليد وهو مما لا تعلق به يد القبول ولما كان خلق الإنسان أول النعم الفائضة عليه منه تعالى وأقدم الدلائل الدالة على وجوده عز وجل وكمال قدرته وعلمه وحكمته سبحانه وصف ذاته تعالى بذلك أولًا ليستشهد عليه الصلاة والسلام به على تمكينه تعالى له من القراءة ثم كرر جل وعلا الأمر بقوله تعالى:


{اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3)}
{اقرأ} أي افعل ما أمرت به تأكيدًا للإيجاب وتمهيدًا لما يعقبه من قوله تعالى: {وَرَبُّكَ الاكرم} إلخ فإنه كلام مستأنف وأراد لإزاحة ما بينه صلى الله عليه وسلم من العذر بقوله عليه الصلاة والسلام لجبريل عليه السلام حين قال له «اقرأ ما أنا بقارىء» يريد أن القراءة شأن من يكتب ويقرأ وأنا أمي فقيل وربك الذي أمرك بالقراءة مفتتحًا ومبتدأ باسمه الأكرم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6